الأحد، 7 أكتوبر 2012

ما يُشْتَقُّ منَ المَصَادرِ في الاستعمال اللغوي




ذكرنا من قبل في اللقاء السابق ؛ أن المشتقات من الأسماء سبعة أنواع؛
اسم الفاعل (وصيغة المبالغة) ،اسم المفعول،اسم الزمان،اسم المكان ، اسم التفضيل ، اسم الآلة ، الصفة المشبهة
نحو الأمثلة التالية :
رازق العباد هو الله الرزاق الكريم
المحمود من الأفعال مكارم الأخلاق
ميقات يوم عظيم موعدنا جميعا
النادي مجتمع الأصدقاء فيه يلتقون
أفضل ما تعلمت من شيء كتاب الله تعالى
سمَّاعةُ الطبيبِ ومِشْرَطُهُ ومِقَصُّه من وسائل العلاج
وفي ذلك تفصيلات في الصياغة والاستعمال مؤثرا فيما بعده أو غير مؤثر في الإعراب من الجامد أو المشتق في بعض هذه الأنواع من المشتقات السبعة نوضحها إن شاء الله مبسطين لكم معناها
1- اسم الفاعل :
يدل على اسم فيه معنى مجرد حادث ، ومنْ فعله أو قام به أو أحدثه
مثال : جئني بالنمر الزاهد، أجئكَ بالمستبد العادل
فكلمة ( الزاهد ) فيها المعنى المجرد وهو الزهد المطلق والذات التي فعلته ،وكذلك كلمة (عادل ) فيها العدل المطلق والذات التي ينسب إليها   
والأغلبية الحدثية في المعنى في اسم الفاعل أكثر من المعنى الدائم مثل:
دائم ، خالد ، مستمر ، مستديم
وهو صيغة عامة لكل من صدر منه الفعل قليلا أو كثيرا فقد يذكر بمعنى ( فعَّال ) صيغة المبالغة المختصة بالكثير ،كما ذكر شارح درة الغواص قال ابن بري :(كصفات الباري كالرازق والخالق والرافع …ومثل قوله تعالى L (والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ) فلا يقتضي أن يكون السائل هنا من قل سؤاله أو كثر
وصياغة اسم الفاعل من الفعل الثلاثي على وزن فاعل : كضارب وحازم وصانع وقائل ورادّ وواثق ورام وواع
ومن غير الثلاثي على وزن المضارع مع ضم أوله وكسر ما قبل آخره نحو: مُكْرِم ، مستغنٍ ، ومجيب ، ومنتقد ، ومستعد ، ومتفائل ، ومطمئن
يفرد ويثنى ويجمع تذكيرا وتأنيثا ويعرب حسب موقعه في الجملة تقول:
الفائز بالجائزة ماهرُ الذكيُّ ( مبتدأ ــ وخبر ــ ونعت أو صفة للخبر )مثلا
يقول الشاعر : راجح العقل رابط الجأش حاضر=عند الشدائد مقصود ومعطاء ، والأفعال الماضية الجامدة ليس لها مصادر أو مشتقات أخرى
مثل : عسى وليس وبئس ونعم ، وكذلك المصادر الدالة على معانٍ دائمة
لا يشتق منها اسم فاعل وإنما يؤخذ منها ما يدل على الدوام كالصفة المشبهة مثل (جميل الصورة حسن العينين)
وصِيَغُ المبالغة وأوزانها واستعمالاتها :
(فعول)كغفور وصبور ، و(فعيل) كرحيم وعظيم ، و(فعَّال) كوهاب ورزاق وفتاح ، و(مِفْعَال) كمعطاء ومهزار ، و(فَعِل) كحذر ولبق وفطن وذكي
ولا تشتق صيغ المبالغة من غير الأفعال الثلاثية إلا من الرباعي على وزن ( مفعال فقط ) وأحكامها مثل أحكام اسم الفاعل في الإعراب والتراكيب الأسلوبية وتدل على كثرة حدوث الفعل مع الذات الفاعلة ، كما
أنها تعمل ما يعمله اسم الفاعل في الجملة عندما يكون عاملا في غيره
عمل اسم الفاعل وشروطه :
يعمل كفعله اللازم والمشتق حين يكون مجردا من التعريف بأل غالبا
فيرفع فاعله عندما يعتمد على استفهام أو نداء أو يقع نعتا لمنعوت مذكور أو محذوف أو يقع حالا أو خبرا لمبتدأ أو لناسخ أو مفعولا لناسخ وألا يكون مصغرا
مثل : أفاهم الشرحَ يا صديقي؟،يا رافعا راية الشورى ، الحسد نار قاتلة صاحبها ، كم معذب نفسه في طلب الحرية لبلاده يرى العذاب من أجلها نعيما ، سحقا للمال جالبا الذل والشقاء لجامعه ،هذا منفق مالا في البر ، اشتهر العربي بأنه حامٍ عشيرته ، أحسِبُ الحرَّ موطنا نفسه على الشهامة ، ولا يصح : يخرج طويلب علما ، وألا يكون له نعت يفصل بينه وبين مفعوله ؛ فلا يصح: يقبل راكبٌ مسرع ٌسيارةً لكن الصواب :يقبل راكب سيارة مسرعٌ
فقد رفع الضمير المستتر ( أنت ) ونصب المفعول به ( الشرحَ) وهكذا
وأن يكون دالا على الحال أو الاستقبال أو التجدد المستمر مثل :
(من يكنْ اليوم مهملا عمله يجد نفسه غدا فاقدا رزقه )
(ما أعجب الصانع الماهر مديرا مصنعه في حزم مدبرا أمره في يقظة )
ويشبه اسم الفاعل فعله الذي بمعنى الماضي معنى لا لفظا فتجب إضافته لمعموله ولا يسمى مفعولا به بل مضافا إليه
2- اسم المفعول معناه وصياغته وإعماله :
هو المشتق الدال على معنى مجردٍ غير دائم ومن وقع عليه هذا المعنى مثل( محمود ) و( منسوب ) يقول الشاعر:
لا تلم المرء على فعله =وأنت منسوب إلى مثله
يصاغ من الفعل الماضي الثلاثي المتصرف على وزن (مفعول) كمحمود؛
لعل عتبك محمود عواقبهُ=وربما صحت الأجسام بالعلل
ويصاغ من غير الثلاثي قياسا بالإتيان بمضارع الفعل وقلب أوله ميما مضمومة مع فتح ما قبل الآخر مثل : صرح البغي مُهَدَّمٌ ، والله المستعان
وكل ميسر لما خلق له ،وكل ما قرر لاسم فاعل =يعطى اسم مفعول بلا تفاضل
عمله : يتم معاملة اسم المفعول النكرة المجرد من أداة التعريف أو غير المقترن بها معاملة اسم الفاعل تماما ، فإن كان معرفا عمل مطلقا ويعمل عمل فعله المبني للمجهول فيرفع نائب فاعل مثل:هل المظنون العنف نافعا ؟ والنافذة مفتوحة نوافذها ويقل إضافته لمرفوعه
وفي ( أنت مرموق المكانة دائما ) يجوز الرفع أو النصب أو الجر في المضاف إليه ( المكانة ) فاعلا للصفة المشبهة أو على التشبيه بالمفعول به أو التمييز أو الجر بالإضافة
3و4 - اسم الزمان ،واسم المكان وصلتهما بالمصدر الميمي :
يشتقان من المصدر الأصلي للفعل للدلالة على المعنى المجرد للمصدر بالإضافة إلى زمان أو مكان وقوع المصدر مثل ( مهبِط ، وموعِد )
الصياغة : من الثلاثي قياسيا على وزن ( مفْعَل أو مفعِل ) الأول من غير المعتل بالعين ، والثاني من الصحيح السالم مكسور العين في المضارع
كجلس يجلس ورجع يرجع وحسب يحسب وقصد يقصد ، وكذلك من المثال بالواو صحيح اللام فتحذف الواو لوقوعها بين الفتحة والكسرة
مثل : وثق يثق وجم يجم وعد يعد وثب يثب
نحو : مفعَل من طلع مطلع ومهجر ومشتى وملعب منأى
ونحو :مفعِل من غرس مغرِس، ويفرق بين الصيغتين قرينة الزمان او قرينة المكان فقولنا ( موعدنا الحديقة يختلف عن موعدنا عصرا )
وهما لا يرفعان الفاعل أو نائبه ولا ينصبان المفعول أوغيره
وأحيانا يضاف لصيغة اسم المكان تاء التأنيث لتأنيث المعنى مثل محطة
ويأتي فيهما القياس والسماع  مخالفا للقاعدة أحيانا ، فيخالف المسموع من مفعِل بكسر عين الفعل نحو مشرق ومغرب بكسر العين
ويصاغ اسم المكان من الجامد أحيانا على وزن مفعلة : كمزرعة ومبطخة ( أرض يكثر فيها البطيخ )سواء قل أو كثر
وللتفرقة بين المصدر الميمي واسمي الزمان والمكان في وزن الصيغة من الثلاثي : ( مفعِل أو مفعَل )
المشتقات الثلاث ؛ من الثلاثي معتل اللام مثل ( سعى ودعا ) على مفعَل
ويفرق بينهما القرينة ، وكذلك من الثلاثي الصحيح السالم الذي مضارعه مضموم العين أو مفتوحها  نحو : نظر وفتح نقول 0 منظر ومفتح
أما في حالة كسر عين الثلاثي الصحيح في المضارع مثل جلس يجلس
فتختلف صياغة المصدر الميمي عن اسمي الزمان والمكان فتكون في المصدر الميمي ( مفعَل) بفتح العين ، وفي الزمان والمكان ( مفعِل) بكسر العين
وفي حالة الثلاثي المثال مكسور العين في المضارع يحذف أوله مثل :
وعد يعد وتكون الصياغة على زون مفعل بكسر العين في الثلاثة وكذا الفعل المضعف بفتح العين في الثلاثة
5- اسم الآلة :
مشتق من المصدر الأصلي قياسا من الفعل الثلاثي والاسم الجامد  للحصول على معنى
يدل على الآلة التي حدث بها الفعل ، ولا بد أن يكون الفعل متصرفا  
  ( لازما كان الفعل أو متعديا )
وتأتي صياغته على أوزان ثلاثة : مِفْعَلـأتي  ، ومِفْعَال ، ومِفْعَلَة مثل :
مبرد ، ومنشار ، ومنقلة أو مثقبة
وزيدت صيغة رابعة هي ( فعَّالة ) كثلاجة وغسالة ، و( مُفعَلة ) مثل ( مكحلة ، ومدق على مفعل وهي أوزان شاذة ، وكذا ساقية
وحكم اسم الآلة أنه لا يعمل عمل فعله كاسمي الزمان والمكان
ويلاحظ اشتراك اسم الآلة مع صيغة المبالغة في وزن ( مفعال ) ويفرق بينهما القرائن اللفظية أو المعنوية في الأسلوب نحو :
الخشب الزان يختار له منشار قوي ليمزقه  (اسم آلة)
فلان ينتهز الفرص فهو جدير بأن يسمى منشارا ( صيغة مبالغة)
كما يقال للمذياع المسموع ( اسم آلة ) بينما يقال للمذيع نفسه ( مذياع)                                                                                                                                                                                                                                                                                
6- اسم التفضيل :
لفظ يدل على اشتراك أمرين معا في شيء معين ، وزاد أحدهما عن الآخر في هذا الشيء من دلالة اسم التفضيل في الكلام مثل :
الطائرة أسرع من القطار
فيكون أسلوب التفضيل مكونا من ثلاثة أشياء ( الأمر المفضل ثم اسم التفضيل ثم الأمر المفضل عليه ) في التركيب الطبيعي الكامل
وهنا اشتراك الطائرة والقطار في السرعة التي دل عليها اسم التفضيل
وزادت الطائرة عن القطار فيها
يأتي اسم التفضيل على وزن ( أفعل) وهو مشتق ، وهناك صيغ من الجامد مثل ( خير وشر ) ويدل على الدوام والاستمرار مثل الصفة المشبهة ، ويشترط لصياغة اسم التفضيل ما يشترط لصياغة أفعل التعجب من الشروط وهي :
الفعل الماضي الثلاثي ، المتصرف ، القابل للتفاضل والزيادة المبني للمعلوم التام المثبت والذي ليس الوصف منه للصفة المشبهة على أفعل فعلاء كأبيض بيضاء ، وفي حالة فقد شرط من هذه الشروط؛
فالجامد مثل :(شرّ) أو غير القابل للتفاضل نحو: مات وفني لا يجوز التفضيل منهما مباشرة أو غير مباشرة
ويصاغ من غير هذين الشرطين من فعل مستوف للشروط وليس من المصدر مباشرة صيغة أفعل ثم يليها مصدر غير المستوفي للشروط منصوبا على التمييز ؛ مثل ( البنت أكثر تعاونا لأمها من الولد )
وكذا يستعان بفعل مناسب قبل المخالف للشروط فيصاغ اسم التفضيل ثم يأتي المصدر الصريح أو المؤول مثل :
ورق الليمون أشد خضرة من ورق القصب ، المماطل أكثر ألا يدفع الدين من الأمين . فقد استخدم المصدر الصريح ومرة المصدر المؤول.
أقسام اسم التفضيل ثلاثة :
أن يستخدم مجردا من أل والإضافة
أن يقترن بال
أن يكون مضافا
أمثلة : وإني رأيت الضُّر أحسن منظرا من مرأى صغير به كبر
زارت الرحلة الهرم الأكبر ، وحديقة الحيوان الكبرى بالقاهرة
وأحسن وجه في الورى وجه محسن وأيمن كف فيهمو كف منعم
وأحب أوطان البلاد إلى الفتى أرض ينال بها كريم المطلب
ومن أحكامه النحوية :
إذا كان اسم التفضيل مجردا من أل والإضافة وجب إفراده وتذكيره ودخول من الجارة على المفضول أو المفضل عليه وعدم الفصل بينهما
والمقترن بأل يطابق المفضل قبله ولا يأتي المفضل عليه ولا من بعده
والمضاف لا تأتي من الجارة بعده ويفرد ويذكر إن كان مضافا لنكرة
وإن أضيف إلى معرفة جازت المطابقة وعدمها
عمله الإعرابي:
واسم التفضيل يرفع الضمير المستتر بعده مثل : العظيم أنبل نفسا
ويرفع الضمير البارز أحيانا مثل : مررت بزميل أفضل منه أنت
ويجر المفضل عليه النكرة أو المعرفة مثل :
أكبر شارع في المدينة ، وأوسع الشوارع قاطبة
وقد يأتي حرف الجر (اللام)معه أمام المفضول مثل : الشرقي أحب للدين من الغربي
ويعمل النصب في المفعول لأجله والظرف والحال وبقية المنصوبات فتكون معمولة له إلا المفعول به والمطلق والمفعول معه
7- الصفة المشبهة :
اسم مشتق يحمل في دلالاته معنى مجردا ؛ يسمى الوصف ، أو الصفة
كما في ( جميل ) وهو الجمال ، وشخصا أو شيئا يلتصق بهذا المعنى ،
أو الموصوف بالصفة المعنوية ، وثبوت المعنى لصاحبه في كل الأزمنة
وملازمته وعدم حدوث الصفة لدوام لصوقها بصاحبها
ويقصد المتحدث أو المستخدم للصفة المشبهة كل المعاني السابقة ، كما في قول L أبيض) ، وحلو ، وحسنٌ ، فثبوت الصفة عامٌ لصاحبها
أنواعها وصياغتها :
الصفة الأصيلة الثابتة دوما لصاحبها وهي قياسية من مصدر الفعل الثلاثي اللازم المتصرف فمن الجمال نقول ( جميل ) ومن القبح ( قبيح)
وأوزانها ( فعِل كمرح وفرح ) أو وزن ( فعلان كظمآن وريان ) أو وزن (فعال مثل حصان وجبان ، أو وزن (فاعل كماء طاهر )وهناك صيغ سماعية كثيرة
والصفة الملحقة بالأصيل دون تأويل وهي ما كان بوزن اسم الفاعل أو المفعول بدلالة ثبوت عام دائم بقرينة مثل : كريم بمعنى كارم لثبوت الصفة ، عابد طائع بمعنى مطيع ، ومرتفع الجبهة بمعنى مرفوع
وقسم الصفة المشبهة الجامد المؤول بالمشتق  وهو مثل سابقيه قياسي
مثل : تناولنا شرابا عسلا طعمه ، وفيه ثلاثة أوجه إعرابية ؛ تبين عمل الصفة المشبهة ، الرفع عسلا طعمُهُ ، وعسلا طعما على التمييز ، وعسل الطعمِ على الإضافة
وهناك تفريعات كثيرة ذكرها النحاة في كتب النحو المتعددة كالنحو الوافي والنحو الواضح وغيرهما يمكن للدارس الرجوع إلى باب كل مشتق لمعرفة تلك التفصيلات الفرعية .
والله ولي التوفيق .

الثلاثاء، 2 أكتوبر 2012

حديث عن المصادر القياسية والسماعية في اللغة العربية


معنى المصدر:
هو ما يدل على معنى مجرد غير ملموس ،
ليس مبدوءًا بميم زائدة ،
ولا مختوما بياء مشددة زائدة ، بعدها تاء تأنيث مربوطة ؛ مثل :
عِلْمٌ ، وتقَدُّمٌ ، واستجابة ، وفضل ، وصلاح ....إلخ 
يقول أحمد شوقي مخاطبا رجال الصحف الوطنية :
حمدنا بلاءكمُ في النضال = وأمس حمدنا بلاء السلف
ومن نسي الفضل للسابقين = فما عرف الفضل فيما عرف
أليس إليهم صلاح البناء = إذا ما الأساس سما بالغرف؟

والمصدر الأصلي الصريح هو أصل المشتقات كما يعرف عند النحويين والصرفيين عموما 
بمعنى أن أي تكوين للكلمات من حروف المصدر الصريح قديما أو حديثا ؛ ترجع في أصلها إليه فهو أصل لكل مركب منه 
مع الأخذ في الاعتبار أن المشتقات الكثيرة الواردة عن العرب لا دليل معها على الأصل الذي تفرعت عنه 
( وهذا يدل على نمو اللغة وتطورها حسب الاستعمال لكل عصر )
وتنقسم المصادر إلى :
مصدر أصلي صريح ، ومؤول ،
ومصدر ميمي ، ومصدر صناعي ( وكلها قياسية )
أمثلة للأول ( الصريح الأصلي ) يقول الشاعر الأستاذ حامد العزازمة في قصيدته الأخيرة بعنوان ( في نسيم الذكرى):
شفاءُ الروحِ همسُكِ حين يجلو
عن القلبِ الملالةَ والكلالا
وما أنا يائسٌ من لطفِ ربي
فإنّ العمرَ يسرقُ أمنياتي
ويغتالُ المسرّاتِ اغتيالا

وأمثلة الميمي : مضيعة ، مجلبة ، مطلب ــ بمعنى ؛ طلب ، ضياع ، و جَلْب ؛ ومن نماذج الكلام فيه
قول الحكيم :
( ينبغي للعاقل إذا عجز عن إدراك مطلبه ، إلا يسرف في الهم ، فذلك مضيعة للحزم ، و مجلبة لليأس ، وإذا ضاع الحزم ، وأقبل اليأس ، فرت فرص النجاح ، وساءت الحياة ) 

ويزيد الميمي عن أنه قياسي أنه يلازم الإفراد ولا يعد من المشتقات بمعنى أنه جامد على صيغته
وعن المصدر الصناعي : فهو يشمل الجامد والمشتق والاسم وغير الاسم ويزاد في آخره حرفا الياء المشددة والتاء الزائدة للتأنيث فيصبح اسما دالا على معنى مجرد لم يكن يدل عليه قبل الزيادة نحو: 
إنسان ، فهو اسم معناه الأصلي يدل على حيوان ناطق فبزيادة علامة المصدر الصناعي يصبح ( إنسانية ) فتصير معنى مجردا يشمل مجموعة الصفات المختصة بالإنسان كالحلم والشفقة والرحمة والمعاونة ....وكذلك ( الأسدية والوطنية والتقدمية والحزبية والوحشية ) من الجامد والمشتق .
والحديث عن الجامد والمشتق ضروري لتوضيح حديثنا عن المصدر
فكل اسم لم يؤخذ من غيره ووضع على صورته الحالية ابتداءً مثل :
شجرة ، وقلم ، وحجر ، وأسد فهو جامد
يدل على اسم ذات مجسم محسوس ، وما يشبه ذلك من أسماء الأجناس المحسوسة 
ومن الجامد أيضا ( اسم المعنى المجرد نحو : فَهْمٌ ، وسماحة ، وذكاءٌ
فهو يدل على معنى عقلي محض لا يقع في دائرة المحسوس.
أما المشتق : فهو ما أخذ من غيره بعكس الجامد أي له أصل ينسب إليه ، ويتفرع منه ويقارب المعنى الأصلي ويشاركه في الحروف الأصلية 
يدل على معنى وذات تتصل بوجه من الوجوه بمعناه مثل ؛
( اسم الفاعل ، واسم المفعول ، واسم الزمان، واسم المكان،واسم الآلة وأفعل التفضيل ، والصفة المشبهة (من المشتقات السبعة المعروفة )
ويضاف إليها أزمنة الفعل ( الماضي والمضارع والأمر ) 
وعن الجامد والمشتق نضرب مثلا بقول الشاعر :
بالعلم والمال يبني الناس ملكهم = لم يبن ملك على جهل وإقلال

مصادر الأفعال الثلاثية :
الثلاثي الصحيح السالم ( أي ليس به حرف علة ولا همزة )مثل:خرج
الثلاثي المثال ( وهو ما أوله حرف علة )مثل :وجد ، يئس ، يمَّ ، يبس 
الثلاثي الأجوف ( وهو ما وسطه حرف علة )مثل : باع ومضارعه يبيع ، وصام ومضارعه يصوم 
الثلاثي المهموز ( وهو ما كان أوله أو وسطه أو آخره حرف علة)مثل l أكل ، سأل ، قرأ )
الثلاثي اللفيف المفروق وهو ما كان أوله وآخره حرف علة مثل وقى
الثلاثي المضعف : مثل ( شدّ ، ومدّ ، ولفّ )
الثلاثي الناقص ( وهو ما كان آخره حرف علة ) رَضِيَ ، مشى ، سما
ومصادر هذه الأفعال سماعية ليس لها قاعدة ضابطة للقياس عليها 
إلا أن بعض اللغويين والنحاة أرادوا أن يضعوا ضابطا لبعضها فقالوا:
كل فعل دلَّ على حرفة مصدره يكون على وزن (فعالة )( تجر تجارة)
كل فعل دل على امتناع ،،،،،،،،،،،،وزن (فعال ) أبى إباء جمح جماح
كل فعل ،،،،،،اضطراب ،،،،،،،،،،،،،( فَعَلان ) على غليان هيجان 
كل فعل ،،،،،،داء ،،،،،،،،،،،،،،،،( فُعَال ) صدع صداع وزكام ودوار
كل فعل ،،،،،،سير ،،،،،،،،،،،،( فعيل ) رحل رحيل ذمل ذميل 
كل فعل ،،،،،،صوت ،،،،،،،،،(فُعال أو فعيل ) كصراخ وزئير وهديل 
كل فعل ،،،،لون ،،،،،،،،،( فُعْلة ) زرقة وحمرة وخضرة 
وفي غير ذلك فالغالب في مصادر الثلاثي له ضوابط يشذ عنها أفعال كثيرة نتعامل معها بالشائع المشهور في كلام العرب ، وكل ما جاء من حروف اللغة لمصدر منها فهو عربي ما دام مستعملا عند القدماء أو المحدثين 
وترجع ضوابط المصادر الثلاثية من غير المحدد سابقا إلى ضبط وتشكيل صيغة الفعل نفسه 
( ففي وزن فَعُلَ يكون المصدر فعولة أو فعالة كسهولة ونباهة ) 
وفي وزن فَعِل يكون المصدر فَعَل من اللازم مثل فرح فرحا وعطش عطشا وهكذا ، 
وفي وزن فَعَلَ ،،،،،، فعول من اللازم مثل قعود وخروج ونهوض
ومصدر الثلاثي المتعدي من وزن ( فَعِلَ و فَعَلَ ) يأتي المصدر على وزن ( فَعْل) نحو : فهم ونصر 
يقول ابن مالك في مصادر الثلاثي مفتوح العين :
وفَعَلَ اللازم مثلُ قعدا = له فعول باطراد كغدا ( غُدُوَّ)
ما لم يكن مستوجبا فِعَالا = أو فعلان فادر أو فُعالا
وما أتى مخالفا لما مضى = فبابه النقل كسُخْط ورضا

أما مصادر الرباعي فالفعل منها كما يلي :ومصادرها قياسية
ما وزنه ( أفعل ) وزن مصدره ( إفعال ) أكرم إكرام
ما وزنه ( فعّل ) وزن مصدره ( تفعيل ) قدّم تقديم ــ لاحظ المعتل ـ
ما وزنه ( فاعل ) ،،،،،،،،،،،( فِعَال أو مفاعلة ) قتال ومقاتلة من قاتل
ما وزنه ( فعلل ) ،،،،،،،،،،،( فعللة ) دحرج دحرجة طمأن طمأنة ، كما يجيء أيضا على وزن ( فِعلال )مثل l وسوس وسواس 
وعن مصادر الخماسي والسداسي فهي أيضا قياسية :
يكون المصدر منها بوزن الفعل الماضي مع كسر ثالثه وزيادة ألف قبل آخره إن كان مبدوءًا بهمزة وصلمثل : انطلق ، استخرج (انطلاق واستخراج )
ويكون بضم ما قبل آخره فقط إذا كان مبدوءا بتاء زائدة كتقدم تقدما 
وهناك ما كان الفعل عينه ألفا يكون في المصدر منه تعويضا بالتاء في آخره مثل : استقام استقامة .............. 
التطبيق من أدبيات الكتاب والمبدعين العرب في الملتقى :
يقول الأديب زياد هديب 
في قصيدته ( دقات انتظار ) تستفِزُّكَ الصرخَةُ النّائمَةُ في فمك
فتتثاءبُ استدراكاً
تُنيبُ جهلَكَ عن ضعفِك
وتقول الأديبة وفاء عرب في قصيدتها ( الآن عرفت )
الآنَ عرفتُ سِرَّ جوعِ الأرضِ لدماءِ ذلكَ التاريخِ من أولِ الفجرِ حتى آخرِ الحلمِ الوحيدِ 
وتقول الأديبة نجلاء الرسول في قصيدتها ( العربة ) في :
عربة التسوق التي ظننت أني أدفعها..... أن أبدل حاستي بتلك الزرقة التي تتوحش في الليل ..... شيء ما يقتفي شحوبك البدائي
ويقول الأديب محمد مثقال الحضور : لِأَنـنا صدَّقنا أَنَّ الماءَ يعشقُ السقوطَ . . والاستواء لم نتمكن منرؤية الـتَـبَخُّـرِ . . ولم نفهمْ طريقةَ المطرِ في انتقاءِ المكان !
ويقول د. محمد الأسطل :
يا ( كوكبـيان هب أنّكَ طلقتان 
كيف لي أن أعمِّدَ الرّعشةَ في يدي
كيف لي أن أشهقَ ذاكرة الزِّناد
==================

الثلاثاء، 25 سبتمبر 2012

إجابة أسئلة مسابقة دروس وعبر في آيات وسور



الإجابات

  ١- البقرة آية 140 
أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمْ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنْ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140

٢  البقرة ١٧١ 

رأيت ، وسمعت ، وقرأت ، وفعلت

رأيت  في  سلوكيات كثير من العرب اليوم  أنهم :
(يجنون ثمار العطاء المعرفي من الآخر دون مقابل )
وذلك أنهم : أ) لا يقابلون هذا العطاء المعرفي وثماره الطيبة بالعمل به
              ب) أو الإضافة إليه بسعيهم وبذلهم الجهد والوقت والعطاء للآخر
              ج) ودون مقابل منهم بالشكر والثناء والعرفان لمن قدم هذه الثمار

ورأيت من أصحاب العطاء :
1- أنهم راضون برعايتهم لشجرة المعرفة والعلم حتى أثمرت ما قدموه من عطاء
2- أنهم مستمرون في بذل الوقت والجهد لتمنية معارفهم وتقديمها لنفع الآخرين
3- أنهم يفعلون ذلك دون انتظار مقابل من الشكر والثناء من المتلقين لثمار جهدهم

وسمعت من جدي وأنا صغير ، أنه كان دائما ينصحني بقوله :
 ( يا بني افعل الخير ، ولا تبخل ببذله لغيرك ، فإن نفعه سيعود عليك وعليهم ، ولا تتنظر ثناء إلا من الله تعالى ، فهو الذي يجزي خير الجزاء)

وقرأت : 
ما جاء في كتاب الله العزيز الحكيم في سورة الزلزلة :
( ... فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )                       

الاثنين، 24 سبتمبر 2012

عن الحكمة ( من صيد الفوائد )

{ ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً }
أ.د. عبدالكريم بكار


يقول الله (جل وعلا) : { يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ } [البقرة : 269] . وردت كلمة (حكمة) في مواضع عديدة من الكتاب العزيز ، وذهب المفسرون إلى تفسير معناها في كل موضع بحسب السياق الذي وردت فيه ، فتارة تُفسر بالسنة ، وتارة بالموعظة ، وتارة بالقرآن ،أما في هذا الموضع الذي نحن بصدده ، فإن للعلماء في تفسيرها أقوالاً كثيرة ، منها : النبوة ، والفقه في القرآن ، والمعرفة بدين الله ، والفقه فيه ، والاتباع له ، والخشية ، والورع [1] ... وروى ابن وهب عن مالك أنه قال في (الحكمة) : إنها المعرفة بالدين ، والفقه في التأويل ، والفهم الذي هو سجية ، ونور من الله (تعالى) [2] . ولعل هذا القول هو أقرب الأقوال السابقة إلى الصواب . والذي يبدو لي : أن الحكمة تتجاوز المعلومات الجزئية إلى المفاهيم الكلية مع نوع من التطابق بين معارف الحكيم والمواقف العملية له ؛ ومن ثم قيل إن الحكمة تعني : وضع الشيء في موضعه ؛ وإن كنا نرى أن ذلك أحد تجليات الحكمة ، وليس جزءاً منها ، لكنهم لمحوا أن المواقف الصحيحة الملائمة هي التي تكشف عن حكمة الحكماء . 
ولعلنا نحاول الحوم حول حمى الحكمة ، وحول بعض تجلياتها وتجسيداتها في المفردات التالية :

 1- إن تاريخ الإنسان هو مكافحة (العماء) و (اللاتكوّن) في داخل نفسه وفي خارجها ؛ فهو يحاول أبداً صياغة المفهومات والرؤى التي تمكّنه من فهم مركزه في هذا الكون ، ومعرفة المحيط الذي يعيش فيه بغية فهم الموقف الصحيح والخطوة المناسبة .
ومهما بذل الإنسان من جهود في سبيل الوصول إلى ذلك فإن نجاحه يظل نسبيّاً ، كما أن تقدير الناس لذلك النجاح سوف يظل متفاوتاً ؛ حيث إن مبادئ الإنسان ومعارفه تتحكم دائماً في بلورة رؤيته للأشياء ؛ ومن ثم : فإن موقفاً ما قد يكون في نظر واحد منا حكيماً ، على حين ينظر إليه آخرون على أنه طائش وخائب ؛ إلا أن الأيام بما تجلّيه من عواقب ونتائج وبما تركمه من نماذج تساعدنا على نوع من توحيد الرؤية والفهم . 
ومهما بذل الإنسان من جهود في سبيل الوصول إلى ذلك فإن نجاحه يظل نسبيّاً ، كما أن تقدير الناس لذلك النجاح سوف يظل متفاوتاً ؛ حيث إن مبادئ الإنسان ومعارفه تتحكم دائماً في بلورة رؤيته للأشياء ؛ ومن ثم : فإن موقفاً ما قد يكون في نظر واحد منا حكيماً ، على حين ينظر إليه آخرون على أنه طائش وخائب ؛ إلا أن الأيام بما تجلّيه من عواقب ونتائج وبما تركمه من نماذج تساعدنا على نوع من توحيد الرؤية والفهم . 


2- إذا كنا نختلف حول تعريف الحكمة فإنه سيظل بالإمكان تحليلها إلى العناصر المكوّنة لها ، وهي على ما يبدو لي ثلاثة : الذكاء ، والمعرفة ، والإرادة ؛ فالذكاء اللماح ، والمعرفة الواسعة ، والإرادة الصُلبة تكوّن معاً : (الحكمة) ، وعلى مقدار كمال هذه العناصر يكون كمالها .
الذكاء بمفرده لا يجعل الإنسان حكيماً ؛ إذ الملموس أن الذكاء دون قاعدة جيدة من العلم والخبرة ينتج فروضاً ومعرفة (شكلية) ، كما أن المعرفة دون ذكاء تجعل استفادة صاحبها منها محدودة ، وتجعل وظيفته مجرد الحفظ والنقل ، دون التمكن من غربلة المعرفة أو الإضافة إليها . والأهم من هذا وذاك : أن المعرفة دون ذكاء تؤخر ولادة الموقف الحكيم ، وتجعل الواحد منا يأتي بعد الحدث بسبب ضعف البداهة .
ولا يكفي الذكاء اللمّاح ، ولا الخبرة الواسعة في جعل الإنسان حكيماً ما لم يمتلك قوة الإرادة ؛ لأن الإرادة القوية وحدها هي التي تجعلنا ننصاع لأمر الخبرة ، وهي التي تنتج سلوكاً يختفي فيه الفارق بين النظرية والتطبيق .
الذكاء موهبة من الله (تبارك وتعالى) ، والمعرفة الواسعة كسب شخصي ، والإرادة القوية هدية المجتمع الناجح لأبنائه البررة ؛ فهو الذي يحدّد العتبة والسقف المطلوبين للعيش فيه بكرامة على مستوى الإرادة ، وعلى مستوى القدرة ، وهو لا يمنح القدرة ، لكنه يمنح أفراده إرادة الفعل والكف من خلال نماذجه الراقية ، ومن خلال المراتبية الاجتماعية التي يصوغها تأسيساً على الاستجابة لأوامره . 
الذكاء بمفرده لا يجعل الإنسان حكيماً ؛ إذ الملموس أن الذكاء دون قاعدة جيدة من العلم والخبرة ينتج فروضاً ومعرفة (شكلية) ، كما أن المعرفة دون ذكاء تجعل استفادة صاحبها منها محدودة ، وتجعل وظيفته مجرد الحفظ والنقل ، دون التمكن من غربلة المعرفة أو الإضافة إليها . والأهم من هذا وذاك : أن المعرفة دون ذكاء تؤخر ولادة الموقف الحكيم ، وتجعل الواحد منا يأتي بعد الحدث بسبب ضعف البداهة . ولا يكفي الذكاء اللمّاح ، ولا الخبرة الواسعة في جعل الإنسان حكيماً ما لم يمتلك قوة الإرادة ؛ لأن الإرادة القوية وحدها هي التي تجعلنا ننصاع لأمر الخبرة ، وهي التي تنتج سلوكاً يختفي فيه الفارق بين النظرية والتطبيق . الذكاء موهبة من الله (تبارك وتعالى) ، والمعرفة الواسعة كسب شخصي ، والإرادة القوية هدية المجتمع الناجح لأبنائه البررة ؛ فهو الذي يحدّد العتبة والسقف المطلوبين للعيش فيه بكرامة على مستوى الإرادة ، وعلى مستوى القدرة ، وهو لا يمنح القدرة ، لكنه يمنح أفراده إرادة الفعل والكف من خلال نماذجه الراقية ، ومن خلال المراتبية الاجتماعية التي يصوغها تأسيساً على الاستجابة لأوامره 


3- إن المعرفة مهما كانت واسعة لا تعدو أن تكون إحدى مكوّنات (الحكمة) ، ومن ثم : فإن هناك فارقاً بين العالِم والحكيم ، فقد يكون المرء قمة في تخصص من التخصصات ، لكنه لا يُعدّ حكيماً ، كما أن الحكيم قد لا يكون عالماً متبحراً في أي علم من العلوم .
العلم يفكك المعرفة من أجل استيعابها ، فيقوم بتنظيمها وتوزيعها على مساقات كثيرة ، أما الحكيم : فيقوم بتركيب المعرفة النظرية مع الخبرة العملية من أجل بناء وتشكيل المفهومات العامة في سبيل الوصول إلى رؤية شاملة تندغم فيها معطيات الماضي والحاضر والمستقبل .
العلم يمكننا من صنع الدواء ، وصنع السلاح ، لكن الحكمة تجعلنا نعرف متى نداوي ، ومتى نحارب .
العلماء كثر ، والحكماء نادرون ؛ لأن تحليل المعرفة أسهل من تركيبها ، والعمل الدعوي اليوم ليس فقيراً في الاختصاصيين ، لكنه محتاج حاجة ماسّة إلى الحكماء العظام الذين يمزجون بين العلوم والثقافات المختلفة ، ويخلصون منها إلى محكات نهائية في الإصلاح والنهضة ومداواة العلل المستعصية ...
إن الحكمة أُم الوسائل والأساليب ، لكنها أكبر من أن تحصر في أي منهج من المناهج ، إنها معرفة تتأبى على التنظيم ، فهي دائماً مرفرفة ، على حين أن العلم معرفة منظّمة ، وكل العلوم يبدأ تفتحها على أنها حكمة ، وتنتهي إلى أن تكون فنّاً ، أي : إنها تفقد طاقتها على التجدد بعد أن يتم سجنها في قوالب جاهزة ، وتصبح بحاجة ماسّة إلى أن ترفرف من جديد ، أي : أن تطعّم بالحكمة . ومن ثم : فإن الحكمة تتأبى على الاستنفاذ ، ولذا : فإنها الخير الكثير الفياض المتجدد الذي يهيئه الله (تعالى) لمن شاء من عباده 
العلم يفكك المعرفة من أجل استيعابها ، فيقوم بتنظيمها وتوزيعها على مساقات كثيرة ، أما الحكيم : فيقوم بتركيب المعرفة النظرية مع الخبرة العملية من أجل بناء وتشكيل المفهومات العامة في سبيل الوصول إلى رؤية شاملة تندغم فيها معطيات الماضي والحاضر والمستقبل . العلم يمكننا من صنع الدواء ، وصنع السلاح ، لكن الحكمة تجعلنا نعرف متى نداوي ، ومتى نحارب . العلماء كثر ، والحكماء نادرون ؛ لأن تحليل المعرفة أسهل من تركيبها ، والعمل الدعوي اليوم ليس فقيراً في الاختصاصيين ، لكنه محتاج حاجة ماسّة إلى الحكماء العظام الذين يمزجون بين العلوم والثقافات المختلفة ، ويخلصون منها إلى محكات نهائية في الإصلاح والنهضة ومداواة العلل المستعصية ... إن الحكمة أُم الوسائل والأساليب ، لكنها أكبر من أن تحصر في أي منهج من المناهج ، إنها معرفة تتأبى على التنظيم ، فهي دائماً مرفرفة ، على حين أن العلم معرفة منظّمة ، وكل العلوم يبدأ تفتحها على أنها حكمة ، وتنتهي إلى أن تكون فنّاً ، أي : إنها تفقد طاقتها على التجدد بعد أن يتم سجنها في قوالب جاهزة ، وتصبح بحاجة ماسّة إلى أن ترفرف من جديد ، أي : أن تطعّم بالحكمة . ومن ثم : فإن الحكمة تتأبى على الاستنفاذ ، ولذا : فإنها الخير الكثير الفياض المتجدد الذي يهيئه الله (تعالى) لمن شاء من عباده 


4- جفل الوعي الإسلامي قديماً من (الفلسفة) ؛ لأن أكثر فلاسفة المسلمين أخرجوا الفلسفة من إطار الوحي وإطار النصوص والمعطيات الشرعية العامة ، فصارت المفاهيم الفلسفية غريبة عن البنية الثقافية الإسلامية ، بل مصادمة لها .
وفي العصر الحديث : لم تنشأ لدينا مدارس فلسفية ، وإنما اتباع لفلاسفة الغرب ، ومروّجون لفلسفة مادية أجنبية محورها الأساس : هدم عقيدة الألوهية وتدعيم الإلحاد ... فاستمر الجفاء بين الاختصاصيين (العلماء) وبين ذوي النظر الكلي والرؤية العامة .
إن الناظر في الآيات الكريمة التي وردت فيها كلمة (الحكمة) : يجد أنها ما اقترنت بذكر (الكتاب) إلا كانت تالية له ، وكأن في ذلك إشارة إلى أن الحكمة بما هي مفاهيم ونظر كلي لا يصح أبداً أن تتشكل خارج مبادئ الكتاب ومعطياته الكبرى ؛ إنه القيّم والمهيمن عليها ، وليس في ذلك حد من عطاء الحكمة وانطلاقها ، ولكنه إمساك بها كي لا تفقد اتجاهها ومحورها ؛ فالعقل البشري على سعة إمكاناته لا يستطيع أن يعمل بكفاءة إلا من خلال إطار توجيهي يمنحه شيئاً من الثوابت وصلابة اليقين .
وقد آن الأوان لتنشيط حركة علمية لا تغرق في التخصصات لكنها تستفيد منها جميعاً : في تنسيق الواقع في ضوء المثال ، وفي إدراك العلاقات الخطية والجدلية التي تربط بين الأشياء ، وفي معرفة سنن الله (تعالى) في الخلق ...
آن الأوان لترك التقدم العلمي لأهل التخصصات يغوصون على مفردات العلوم ، ويضيفون إلى فروع المعرفة كل يوم جديداً ، والسعي إلى تكوين جيل جديد من الحكماء والمصلحين ذوي النظر الكلي والثقافة المَزْجية ، الذين يستخدمون المعارف المختلفة في بناء النماذج الحضارية الخاصة والمشروعات النهضية الشاملة .
وفي اعتقادي أن الحاجة إلى (الحكماء) سوف تزداد ؛ إذ إن المعرفة البشرية على وشك إكمال دورتها ، وعصر ثورة المعلومات الذي بزغ فجره سوف يكون أقصر العصور الحضارية ، ثم يأتي زمان الأسئلة الكبرى : أسئلة الهوية ، وعلل الوجود ، والمصير ، وطبيعة الكينونة البشرية وحدودها ، وحقوقها .. أي : إن الفلسفة قد تستعيد مجدها القديم ، لكن ضمن معطيات ومساقات جديدة ، وبلغة شديدة التعقيد ، وعلينا منذ الآن أن نحضّر أولئك ، الذين يستطيعون فهم أسئلة العصر القادم ، ويحسنون الجواب عليها . 
وفي العصر الحديث : لم تنشأ لدينا مدارس فلسفية ، وإنما اتباع لفلاسفة الغرب ، ومروّجون لفلسفة مادية أجنبية محورها الأساس : هدم عقيدة الألوهية وتدعيم الإلحاد ... فاستمر الجفاء بين الاختصاصيين (العلماء) وبين ذوي النظر الكلي والرؤية العامة . إن الناظر في الآيات الكريمة التي وردت فيها كلمة (الحكمة) : يجد أنها ما اقترنت بذكر (الكتاب) إلا كانت تالية له ، وكأن في ذلك إشارة إلى أن الحكمة بما هي مفاهيم ونظر كلي لا يصح أبداً أن تتشكل خارج مبادئ الكتاب ومعطياته الكبرى ؛ إنه القيّم والمهيمن عليها ، وليس في ذلك حد من عطاء الحكمة وانطلاقها ، ولكنه إمساك بها كي لا تفقد اتجاهها ومحورها ؛ فالعقل البشري على سعة إمكاناته لا يستطيع أن يعمل بكفاءة إلا من خلال إطار توجيهي يمنحه شيئاً من الثوابت وصلابة اليقين . وقد آن الأوان لتنشيط حركة علمية لا تغرق في التخصصات لكنها تستفيد منها جميعاً : في تنسيق الواقع في ضوء المثال ، وفي إدراك العلاقات الخطية والجدلية التي تربط بين الأشياء ، وفي معرفة سنن الله (تعالى) في الخلق ... آن الأوان لترك التقدم العلمي لأهل التخصصات يغوصون على مفردات العلوم ، ويضيفون إلى فروع المعرفة كل يوم جديداً ، والسعي إلى تكوين جيل جديد من الحكماء والمصلحين ذوي النظر الكلي والثقافة المَزْجية ، الذين يستخدمون المعارف المختلفة في بناء النماذج الحضارية الخاصة والمشروعات النهضية الشاملة . وفي اعتقادي أن الحاجة إلى (الحكماء) سوف تزداد ؛ إذ إن المعرفة البشرية على وشك إكمال دورتها ، وعصر ثورة المعلومات الذي بزغ فجره سوف يكون أقصر العصور الحضارية ، ثم يأتي زمان الأسئلة الكبرى : أسئلة الهوية ، وعلل الوجود ، والمصير ، وطبيعة الكينونة البشرية وحدودها ، وحقوقها .. أي : إن الفلسفة قد تستعيد مجدها القديم ، لكن ضمن معطيات ومساقات جديدة ، وبلغة شديدة التعقيد ، وعلينا منذ الآن أن نحضّر أولئك ، الذين يستطيعون فهم أسئلة العصر القادم ، ويحسنون الجواب عليها . 


5- الإرادة الصُلبة مكوّن أساس من مكونات ( الحكمة ) كما ذكرنا وهي (الإكسير) الذي يحيل المعرفة النظرية إلى نماذج متحققة في الواقع المحسوس ، إن الحكمة نور داخلي يشكل مفهومات كثيرة متباينة ، ويدمجها في نظم أشمل ، فتبدو منسجمة متناسقة ، لكن الحكيم لا يبدو كذلك ، فهو طراز فريد ، ونموذج خاص ، يصعب تقنين عطاءاته وتوجهاته ومواقفه ؛ لأن طبيعة الحكمة تتأبى على التحقق الكامل ، ومن ثم : فإنها تلوح في بعض المواقف والسلوكات لتدل على فضل الله (تعالى) على أصحابها وتوفيقه لهم . وتلك المواقف تفوق الحصر والعد ، لكن نذكر بعضها من أجل التقريب :

 أ- الحكمة نمو دائم ، فالمزج الفاعل بين الذكاء والخبرة والإرادة يجعل مفهومات الحكيم في نوع من الحركة الدائبة ، مفهوم يكبر ، وآخر يضمر ، ونقط تزداد تفصيلاً ، وأخرى تزداد تركيزاً ، أفكار جديدة لديه تفقد بريقها بسرعة ، وأفكار قديمة تنبعث حية لتخط خطّاً جديداً ...
هذه الوضعية تجعل الحكيم في حالة من التألق الدائم ، وهذا التألق قد يفسّر لدى الكثيرين على أنه تناقض واضطراب ، على حين أنه نوع من الاستجابة الناجحة للمرونة الذهنية العالية ، والروافد الثقافية الثرية ، والإرادة الحرة الصُلبة ، لكن كل ذلك يأخذ سمة التغيّر لا التبدّل . 
هذه الوضعية تجعل الحكيم في حالة من التألق الدائم ، وهذا التألق قد يفسّر لدى الكثيرين على أنه تناقض واضطراب ، على حين أنه نوع من الاستجابة الناجحة للمرونة الذهنية العالية ، والروافد الثقافية الثرية ، والإرادة الحرة الصُلبة ، لكن كل ذلك يأخذ سمة التغيّر لا التبدّل .

 ب- إيثار الآجل على العاجل ، والدائم على الآني ، وما يمليه ذلك من مواقف والتزامات : أكبر سمة من سمات (الحكيم) ، والشرائع السماوية كلها جاءت توجّه الناس نحو هذه الفضيلة ، لكن إغراءات المنافع والملذات العاجلة صرفت جلّ الناس عن الاستجابة { كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ العَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ } [القيامة : 20 ، 21] .
وعدم تحقق هذه الفضيلة في حياة كثير من الناس ، سببه : ضعف في الخبرة ، أو ضعف في الإرادة ، أو فيهما معاً ، والحكمة تجعل الحكيم في منأى عنهما .
وموقف الحكيم هنا يثير لدى الناس الدهشة ؛ حيث يجدونه زاهداً معرضاً عما يتقاتلون عليه ، وربما اتهموه بالعجز أو الكسل أو القصور ، وهو في الوقت نفسه يضحك في داخله من جهادهم في غير عدو ومحاولات قبضهم على السراب ! ! . 
وعدم تحقق هذه الفضيلة في حياة كثير من الناس ، سببه : ضعف في الخبرة ، أو ضعف في الإرادة ، أو فيهما معاً ، والحكمة تجعل الحكيم في منأى عنهما . وموقف الحكيم هنا يثير لدى الناس الدهشة ؛ حيث يجدونه زاهداً معرضاً عما يتقاتلون عليه ، وربما اتهموه بالعجز أو الكسل أو القصور ، وهو في الوقت نفسه يضحك في داخله من جهادهم في غير عدو ومحاولات قبضهم على السراب ! ! .

 ج- داخل الحكيم ساحة مَوّارة بالحركة والنشاط ، فهو لا يكفّ أبداً عن عمليات المقارنة ، والموازنة ، والتحليل ، والتركيب ، والاستنتاج ، والتشذيب ، والإضافة ، إنها أمواج وتيارات في أعماق المحيط ، أما السطح فإنه هادئ تعلوه السكينة والوقار .
إن من ملامح الأذكياء سرعة البديهة ، وإطلاق الأحكام ، وسرعة تشكيل المواقف ، لكن الحكيم طراز آخر من الناس ، فهو بطيء في تكوين معتقداته ، وصياغة مقولاته ، إذ إنه يملك قدرة خاصة على ضرب كل أشكال المعرفة والخبرة في بعضها بعضاً ، ليخرج في النهاية بزبدة تتميز عنها جميعاً ، لكنها منها جميعاً !
ويفسّر بعض الناس ذلك بالعي والحَصَر ، لكن الأيام تثبت أن مقولات الحكماء هي بنات عواصف فكرية وشعورية هائلة ، لكنها غير منظورة ! . 
إن من ملامح الأذكياء سرعة البديهة ، وإطلاق الأحكام ، وسرعة تشكيل المواقف ، لكن الحكيم طراز آخر من الناس ، فهو بطيء في تكوين معتقداته ، وصياغة مقولاته ، إذ إنه يملك قدرة خاصة على ضرب كل أشكال المعرفة والخبرة في بعضها بعضاً ، ليخرج في النهاية بزبدة تتميز عنها جميعاً ، لكنها منها جميعاً ! ويفسّر بعض الناس ذلك بالعي والحَصَر ، لكن الأيام تثبت أن مقولات الحكماء هي بنات عواصف فكرية وشعورية هائلة ، لكنها غير منظورة ! .

 د - من أهم تجليات الحكمة : إدراك حجوم القضايا على وجهها الصحيح ؛ فالحكيم يرى الأشياء الكبيرة كبيرة ، كما يرى القضايا الصغيرة صغيرة كما هي ، وتقدير القضايا بصورة صحيحة من أخطر المشكلات التي ظلت تواجه البشر على مدار التاريخ ، وهل دُمّرت الحضارات إلا من وراء مشكلات وأخطاء ظنها الناس تافهة ، فإذا هي عواصف هوجاء تأتي على كل ما تمرّ عليه ! .
الحكيم : رجل يرى ما قبل اللحظة الراهنة ، ويستشرف ما بعدها ، وهو لا يرى نسقاً أو نظاماً من التداعيات الترابطية ، لكنه يرى أنساقاً ونظماً تتوازى ، وتتقاطع ، وتتصادم ، إنه يحسّ بالعاصفة قبل هبوبها ، فيحذر قومه وينذرهم . كلنا نرى القضايا بحجمها الحقيقي ، لكن بعد فوات الأوان ! ، وبعد أن نكتوي بنارها ، وتفوتنا فرصها الذهبية ، لكن الحكيم يأتي في الوقت المناسب ، كما قال سفيان الثوري : » إذا أدبرت الفتنة عرفها كل الناس ، وإذا أقبلت لم يعرفها إلا العالم « ! .
العالم (الحكيم) الذي وصفناه ، أما أهـل الاختصاص ، الذين أذهبوا العمر في تفتيق المعرفة حول شيء بالغ الصغر ، أو حول (لا شيء) : فهؤلاء جنود التقدم العلمي ، لكن حظوظهم من إشراقات الحكماء محدودة للغاية ! .
هـ ترتفع درجة المرارة في داخلنا على مقدار فقدنا للحكمة ؛ والنزق والبَرَم الذي نبديه حول كل ما لا يعجبنا سببه جهلنا بالأسباب والجذور والسنن وطبائع الأشياء ومنطق سيرورتها . أما الحكيم : فإن مرارته لا تنبع من مفاجآت الأحداث وفواجعها ، وإنما من غفلة الناس واستخفافهم بالمواعظ التي ألقيت عليهم ، ونبهتهم إلى النهايات المحتومة التي يندفعون إليها دون أي حساب أو تقدير لفداحة الخطب الذي سيواجهونه . إن الآلام التي نشعر بها عند ظهور بعض النتائج تكون مكافئة في العادة للمسرات التي عشناها يوم كانت (عقولنا مستريحة) ومشاعرنا غارقة في عالم الملذات والأوهام ! .
ما ذكرناه من أنوار الحكمة وفضائلها غيض من فيض ، ولا يشف عن محاسنها قول كقول الله (تبارك وتعالى) : { وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً } [البقرة : 269]
الحكيم : رجل يرى ما قبل اللحظة الراهنة ، ويستشرف ما بعدها ، وهو لا يرى نسقاً أو نظاماً من التداعيات الترابطية ، لكنه يرى أنساقاً ونظماً تتوازى ، وتتقاطع ، وتتصادم ، إنه يحسّ بالعاصفة قبل هبوبها ، فيحذر قومه وينذرهم . كلنا نرى القضايا بحجمها الحقيقي ، لكن بعد فوات الأوان ! ، وبعد أن نكتوي بنارها ، وتفوتنا فرصها الذهبية ، لكن الحكيم يأتي في الوقت المناسب ، كما قال سفيان الثوري : » إذا أدبرت الفتنة عرفها كل الناس ، وإذا أقبلت لم يعرفها إلا العالم « ! . العالم (الحكيم) الذي وصفناه ، أما أهـل الاختصاص ، الذين أذهبوا العمر في تفتيق المعرفة حول شيء بالغ الصغر ، أو حول (لا شيء) : فهؤلاء جنود التقدم العلمي ، لكن حظوظهم من إشراقات الحكماء محدودة للغاية ! . هـ ترتفع درجة المرارة في داخلنا على مقدار فقدنا للحكمة ؛ والنزق والبَرَم الذي نبديه حول كل ما لا يعجبنا سببه جهلنا بالأسباب والجذور والسنن وطبائع الأشياء ومنطق سيرورتها . أما الحكيم : فإن مرارته لا تنبع من مفاجآت الأحداث وفواجعها ، وإنما من غفلة الناس واستخفافهم بالمواعظ التي ألقيت عليهم ، ونبهتهم إلى النهايات المحتومة التي يندفعون إليها دون أي حساب أو تقدير لفداحة الخطب الذي سيواجهونه . إن الآلام التي نشعر بها عند ظهور بعض النتائج تكون مكافئة في العادة للمسرات التي عشناها يوم كانت (عقولنا مستريحة) ومشاعرنا غارقة في عالم الملذات والأوهام ! . ما ذكرناه من أنوار الحكمة وفضائلها غيض من فيض ، ولا يشف عن محاسنها قول كقول الله (تبارك وتعالى) : { وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً } [البقرة : 269]