الثلاثاء، 25 سبتمبر 2012

إجابة أسئلة مسابقة دروس وعبر في آيات وسور



الإجابات

  ١- البقرة آية 140 
أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمْ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنْ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140

٢  البقرة ١٧١ 

رأيت ، وسمعت ، وقرأت ، وفعلت

رأيت  في  سلوكيات كثير من العرب اليوم  أنهم :
(يجنون ثمار العطاء المعرفي من الآخر دون مقابل )
وذلك أنهم : أ) لا يقابلون هذا العطاء المعرفي وثماره الطيبة بالعمل به
              ب) أو الإضافة إليه بسعيهم وبذلهم الجهد والوقت والعطاء للآخر
              ج) ودون مقابل منهم بالشكر والثناء والعرفان لمن قدم هذه الثمار

ورأيت من أصحاب العطاء :
1- أنهم راضون برعايتهم لشجرة المعرفة والعلم حتى أثمرت ما قدموه من عطاء
2- أنهم مستمرون في بذل الوقت والجهد لتمنية معارفهم وتقديمها لنفع الآخرين
3- أنهم يفعلون ذلك دون انتظار مقابل من الشكر والثناء من المتلقين لثمار جهدهم

وسمعت من جدي وأنا صغير ، أنه كان دائما ينصحني بقوله :
 ( يا بني افعل الخير ، ولا تبخل ببذله لغيرك ، فإن نفعه سيعود عليك وعليهم ، ولا تتنظر ثناء إلا من الله تعالى ، فهو الذي يجزي خير الجزاء)

وقرأت : 
ما جاء في كتاب الله العزيز الحكيم في سورة الزلزلة :
( ... فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )                       

الاثنين، 24 سبتمبر 2012

عن الحكمة ( من صيد الفوائد )

{ ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً }
أ.د. عبدالكريم بكار


يقول الله (جل وعلا) : { يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ } [البقرة : 269] . وردت كلمة (حكمة) في مواضع عديدة من الكتاب العزيز ، وذهب المفسرون إلى تفسير معناها في كل موضع بحسب السياق الذي وردت فيه ، فتارة تُفسر بالسنة ، وتارة بالموعظة ، وتارة بالقرآن ،أما في هذا الموضع الذي نحن بصدده ، فإن للعلماء في تفسيرها أقوالاً كثيرة ، منها : النبوة ، والفقه في القرآن ، والمعرفة بدين الله ، والفقه فيه ، والاتباع له ، والخشية ، والورع [1] ... وروى ابن وهب عن مالك أنه قال في (الحكمة) : إنها المعرفة بالدين ، والفقه في التأويل ، والفهم الذي هو سجية ، ونور من الله (تعالى) [2] . ولعل هذا القول هو أقرب الأقوال السابقة إلى الصواب . والذي يبدو لي : أن الحكمة تتجاوز المعلومات الجزئية إلى المفاهيم الكلية مع نوع من التطابق بين معارف الحكيم والمواقف العملية له ؛ ومن ثم قيل إن الحكمة تعني : وضع الشيء في موضعه ؛ وإن كنا نرى أن ذلك أحد تجليات الحكمة ، وليس جزءاً منها ، لكنهم لمحوا أن المواقف الصحيحة الملائمة هي التي تكشف عن حكمة الحكماء . 
ولعلنا نحاول الحوم حول حمى الحكمة ، وحول بعض تجلياتها وتجسيداتها في المفردات التالية :

 1- إن تاريخ الإنسان هو مكافحة (العماء) و (اللاتكوّن) في داخل نفسه وفي خارجها ؛ فهو يحاول أبداً صياغة المفهومات والرؤى التي تمكّنه من فهم مركزه في هذا الكون ، ومعرفة المحيط الذي يعيش فيه بغية فهم الموقف الصحيح والخطوة المناسبة .
ومهما بذل الإنسان من جهود في سبيل الوصول إلى ذلك فإن نجاحه يظل نسبيّاً ، كما أن تقدير الناس لذلك النجاح سوف يظل متفاوتاً ؛ حيث إن مبادئ الإنسان ومعارفه تتحكم دائماً في بلورة رؤيته للأشياء ؛ ومن ثم : فإن موقفاً ما قد يكون في نظر واحد منا حكيماً ، على حين ينظر إليه آخرون على أنه طائش وخائب ؛ إلا أن الأيام بما تجلّيه من عواقب ونتائج وبما تركمه من نماذج تساعدنا على نوع من توحيد الرؤية والفهم . 
ومهما بذل الإنسان من جهود في سبيل الوصول إلى ذلك فإن نجاحه يظل نسبيّاً ، كما أن تقدير الناس لذلك النجاح سوف يظل متفاوتاً ؛ حيث إن مبادئ الإنسان ومعارفه تتحكم دائماً في بلورة رؤيته للأشياء ؛ ومن ثم : فإن موقفاً ما قد يكون في نظر واحد منا حكيماً ، على حين ينظر إليه آخرون على أنه طائش وخائب ؛ إلا أن الأيام بما تجلّيه من عواقب ونتائج وبما تركمه من نماذج تساعدنا على نوع من توحيد الرؤية والفهم . 


2- إذا كنا نختلف حول تعريف الحكمة فإنه سيظل بالإمكان تحليلها إلى العناصر المكوّنة لها ، وهي على ما يبدو لي ثلاثة : الذكاء ، والمعرفة ، والإرادة ؛ فالذكاء اللماح ، والمعرفة الواسعة ، والإرادة الصُلبة تكوّن معاً : (الحكمة) ، وعلى مقدار كمال هذه العناصر يكون كمالها .
الذكاء بمفرده لا يجعل الإنسان حكيماً ؛ إذ الملموس أن الذكاء دون قاعدة جيدة من العلم والخبرة ينتج فروضاً ومعرفة (شكلية) ، كما أن المعرفة دون ذكاء تجعل استفادة صاحبها منها محدودة ، وتجعل وظيفته مجرد الحفظ والنقل ، دون التمكن من غربلة المعرفة أو الإضافة إليها . والأهم من هذا وذاك : أن المعرفة دون ذكاء تؤخر ولادة الموقف الحكيم ، وتجعل الواحد منا يأتي بعد الحدث بسبب ضعف البداهة .
ولا يكفي الذكاء اللمّاح ، ولا الخبرة الواسعة في جعل الإنسان حكيماً ما لم يمتلك قوة الإرادة ؛ لأن الإرادة القوية وحدها هي التي تجعلنا ننصاع لأمر الخبرة ، وهي التي تنتج سلوكاً يختفي فيه الفارق بين النظرية والتطبيق .
الذكاء موهبة من الله (تبارك وتعالى) ، والمعرفة الواسعة كسب شخصي ، والإرادة القوية هدية المجتمع الناجح لأبنائه البررة ؛ فهو الذي يحدّد العتبة والسقف المطلوبين للعيش فيه بكرامة على مستوى الإرادة ، وعلى مستوى القدرة ، وهو لا يمنح القدرة ، لكنه يمنح أفراده إرادة الفعل والكف من خلال نماذجه الراقية ، ومن خلال المراتبية الاجتماعية التي يصوغها تأسيساً على الاستجابة لأوامره . 
الذكاء بمفرده لا يجعل الإنسان حكيماً ؛ إذ الملموس أن الذكاء دون قاعدة جيدة من العلم والخبرة ينتج فروضاً ومعرفة (شكلية) ، كما أن المعرفة دون ذكاء تجعل استفادة صاحبها منها محدودة ، وتجعل وظيفته مجرد الحفظ والنقل ، دون التمكن من غربلة المعرفة أو الإضافة إليها . والأهم من هذا وذاك : أن المعرفة دون ذكاء تؤخر ولادة الموقف الحكيم ، وتجعل الواحد منا يأتي بعد الحدث بسبب ضعف البداهة . ولا يكفي الذكاء اللمّاح ، ولا الخبرة الواسعة في جعل الإنسان حكيماً ما لم يمتلك قوة الإرادة ؛ لأن الإرادة القوية وحدها هي التي تجعلنا ننصاع لأمر الخبرة ، وهي التي تنتج سلوكاً يختفي فيه الفارق بين النظرية والتطبيق . الذكاء موهبة من الله (تبارك وتعالى) ، والمعرفة الواسعة كسب شخصي ، والإرادة القوية هدية المجتمع الناجح لأبنائه البررة ؛ فهو الذي يحدّد العتبة والسقف المطلوبين للعيش فيه بكرامة على مستوى الإرادة ، وعلى مستوى القدرة ، وهو لا يمنح القدرة ، لكنه يمنح أفراده إرادة الفعل والكف من خلال نماذجه الراقية ، ومن خلال المراتبية الاجتماعية التي يصوغها تأسيساً على الاستجابة لأوامره 


3- إن المعرفة مهما كانت واسعة لا تعدو أن تكون إحدى مكوّنات (الحكمة) ، ومن ثم : فإن هناك فارقاً بين العالِم والحكيم ، فقد يكون المرء قمة في تخصص من التخصصات ، لكنه لا يُعدّ حكيماً ، كما أن الحكيم قد لا يكون عالماً متبحراً في أي علم من العلوم .
العلم يفكك المعرفة من أجل استيعابها ، فيقوم بتنظيمها وتوزيعها على مساقات كثيرة ، أما الحكيم : فيقوم بتركيب المعرفة النظرية مع الخبرة العملية من أجل بناء وتشكيل المفهومات العامة في سبيل الوصول إلى رؤية شاملة تندغم فيها معطيات الماضي والحاضر والمستقبل .
العلم يمكننا من صنع الدواء ، وصنع السلاح ، لكن الحكمة تجعلنا نعرف متى نداوي ، ومتى نحارب .
العلماء كثر ، والحكماء نادرون ؛ لأن تحليل المعرفة أسهل من تركيبها ، والعمل الدعوي اليوم ليس فقيراً في الاختصاصيين ، لكنه محتاج حاجة ماسّة إلى الحكماء العظام الذين يمزجون بين العلوم والثقافات المختلفة ، ويخلصون منها إلى محكات نهائية في الإصلاح والنهضة ومداواة العلل المستعصية ...
إن الحكمة أُم الوسائل والأساليب ، لكنها أكبر من أن تحصر في أي منهج من المناهج ، إنها معرفة تتأبى على التنظيم ، فهي دائماً مرفرفة ، على حين أن العلم معرفة منظّمة ، وكل العلوم يبدأ تفتحها على أنها حكمة ، وتنتهي إلى أن تكون فنّاً ، أي : إنها تفقد طاقتها على التجدد بعد أن يتم سجنها في قوالب جاهزة ، وتصبح بحاجة ماسّة إلى أن ترفرف من جديد ، أي : أن تطعّم بالحكمة . ومن ثم : فإن الحكمة تتأبى على الاستنفاذ ، ولذا : فإنها الخير الكثير الفياض المتجدد الذي يهيئه الله (تعالى) لمن شاء من عباده 
العلم يفكك المعرفة من أجل استيعابها ، فيقوم بتنظيمها وتوزيعها على مساقات كثيرة ، أما الحكيم : فيقوم بتركيب المعرفة النظرية مع الخبرة العملية من أجل بناء وتشكيل المفهومات العامة في سبيل الوصول إلى رؤية شاملة تندغم فيها معطيات الماضي والحاضر والمستقبل . العلم يمكننا من صنع الدواء ، وصنع السلاح ، لكن الحكمة تجعلنا نعرف متى نداوي ، ومتى نحارب . العلماء كثر ، والحكماء نادرون ؛ لأن تحليل المعرفة أسهل من تركيبها ، والعمل الدعوي اليوم ليس فقيراً في الاختصاصيين ، لكنه محتاج حاجة ماسّة إلى الحكماء العظام الذين يمزجون بين العلوم والثقافات المختلفة ، ويخلصون منها إلى محكات نهائية في الإصلاح والنهضة ومداواة العلل المستعصية ... إن الحكمة أُم الوسائل والأساليب ، لكنها أكبر من أن تحصر في أي منهج من المناهج ، إنها معرفة تتأبى على التنظيم ، فهي دائماً مرفرفة ، على حين أن العلم معرفة منظّمة ، وكل العلوم يبدأ تفتحها على أنها حكمة ، وتنتهي إلى أن تكون فنّاً ، أي : إنها تفقد طاقتها على التجدد بعد أن يتم سجنها في قوالب جاهزة ، وتصبح بحاجة ماسّة إلى أن ترفرف من جديد ، أي : أن تطعّم بالحكمة . ومن ثم : فإن الحكمة تتأبى على الاستنفاذ ، ولذا : فإنها الخير الكثير الفياض المتجدد الذي يهيئه الله (تعالى) لمن شاء من عباده 


4- جفل الوعي الإسلامي قديماً من (الفلسفة) ؛ لأن أكثر فلاسفة المسلمين أخرجوا الفلسفة من إطار الوحي وإطار النصوص والمعطيات الشرعية العامة ، فصارت المفاهيم الفلسفية غريبة عن البنية الثقافية الإسلامية ، بل مصادمة لها .
وفي العصر الحديث : لم تنشأ لدينا مدارس فلسفية ، وإنما اتباع لفلاسفة الغرب ، ومروّجون لفلسفة مادية أجنبية محورها الأساس : هدم عقيدة الألوهية وتدعيم الإلحاد ... فاستمر الجفاء بين الاختصاصيين (العلماء) وبين ذوي النظر الكلي والرؤية العامة .
إن الناظر في الآيات الكريمة التي وردت فيها كلمة (الحكمة) : يجد أنها ما اقترنت بذكر (الكتاب) إلا كانت تالية له ، وكأن في ذلك إشارة إلى أن الحكمة بما هي مفاهيم ونظر كلي لا يصح أبداً أن تتشكل خارج مبادئ الكتاب ومعطياته الكبرى ؛ إنه القيّم والمهيمن عليها ، وليس في ذلك حد من عطاء الحكمة وانطلاقها ، ولكنه إمساك بها كي لا تفقد اتجاهها ومحورها ؛ فالعقل البشري على سعة إمكاناته لا يستطيع أن يعمل بكفاءة إلا من خلال إطار توجيهي يمنحه شيئاً من الثوابت وصلابة اليقين .
وقد آن الأوان لتنشيط حركة علمية لا تغرق في التخصصات لكنها تستفيد منها جميعاً : في تنسيق الواقع في ضوء المثال ، وفي إدراك العلاقات الخطية والجدلية التي تربط بين الأشياء ، وفي معرفة سنن الله (تعالى) في الخلق ...
آن الأوان لترك التقدم العلمي لأهل التخصصات يغوصون على مفردات العلوم ، ويضيفون إلى فروع المعرفة كل يوم جديداً ، والسعي إلى تكوين جيل جديد من الحكماء والمصلحين ذوي النظر الكلي والثقافة المَزْجية ، الذين يستخدمون المعارف المختلفة في بناء النماذج الحضارية الخاصة والمشروعات النهضية الشاملة .
وفي اعتقادي أن الحاجة إلى (الحكماء) سوف تزداد ؛ إذ إن المعرفة البشرية على وشك إكمال دورتها ، وعصر ثورة المعلومات الذي بزغ فجره سوف يكون أقصر العصور الحضارية ، ثم يأتي زمان الأسئلة الكبرى : أسئلة الهوية ، وعلل الوجود ، والمصير ، وطبيعة الكينونة البشرية وحدودها ، وحقوقها .. أي : إن الفلسفة قد تستعيد مجدها القديم ، لكن ضمن معطيات ومساقات جديدة ، وبلغة شديدة التعقيد ، وعلينا منذ الآن أن نحضّر أولئك ، الذين يستطيعون فهم أسئلة العصر القادم ، ويحسنون الجواب عليها . 
وفي العصر الحديث : لم تنشأ لدينا مدارس فلسفية ، وإنما اتباع لفلاسفة الغرب ، ومروّجون لفلسفة مادية أجنبية محورها الأساس : هدم عقيدة الألوهية وتدعيم الإلحاد ... فاستمر الجفاء بين الاختصاصيين (العلماء) وبين ذوي النظر الكلي والرؤية العامة . إن الناظر في الآيات الكريمة التي وردت فيها كلمة (الحكمة) : يجد أنها ما اقترنت بذكر (الكتاب) إلا كانت تالية له ، وكأن في ذلك إشارة إلى أن الحكمة بما هي مفاهيم ونظر كلي لا يصح أبداً أن تتشكل خارج مبادئ الكتاب ومعطياته الكبرى ؛ إنه القيّم والمهيمن عليها ، وليس في ذلك حد من عطاء الحكمة وانطلاقها ، ولكنه إمساك بها كي لا تفقد اتجاهها ومحورها ؛ فالعقل البشري على سعة إمكاناته لا يستطيع أن يعمل بكفاءة إلا من خلال إطار توجيهي يمنحه شيئاً من الثوابت وصلابة اليقين . وقد آن الأوان لتنشيط حركة علمية لا تغرق في التخصصات لكنها تستفيد منها جميعاً : في تنسيق الواقع في ضوء المثال ، وفي إدراك العلاقات الخطية والجدلية التي تربط بين الأشياء ، وفي معرفة سنن الله (تعالى) في الخلق ... آن الأوان لترك التقدم العلمي لأهل التخصصات يغوصون على مفردات العلوم ، ويضيفون إلى فروع المعرفة كل يوم جديداً ، والسعي إلى تكوين جيل جديد من الحكماء والمصلحين ذوي النظر الكلي والثقافة المَزْجية ، الذين يستخدمون المعارف المختلفة في بناء النماذج الحضارية الخاصة والمشروعات النهضية الشاملة . وفي اعتقادي أن الحاجة إلى (الحكماء) سوف تزداد ؛ إذ إن المعرفة البشرية على وشك إكمال دورتها ، وعصر ثورة المعلومات الذي بزغ فجره سوف يكون أقصر العصور الحضارية ، ثم يأتي زمان الأسئلة الكبرى : أسئلة الهوية ، وعلل الوجود ، والمصير ، وطبيعة الكينونة البشرية وحدودها ، وحقوقها .. أي : إن الفلسفة قد تستعيد مجدها القديم ، لكن ضمن معطيات ومساقات جديدة ، وبلغة شديدة التعقيد ، وعلينا منذ الآن أن نحضّر أولئك ، الذين يستطيعون فهم أسئلة العصر القادم ، ويحسنون الجواب عليها . 


5- الإرادة الصُلبة مكوّن أساس من مكونات ( الحكمة ) كما ذكرنا وهي (الإكسير) الذي يحيل المعرفة النظرية إلى نماذج متحققة في الواقع المحسوس ، إن الحكمة نور داخلي يشكل مفهومات كثيرة متباينة ، ويدمجها في نظم أشمل ، فتبدو منسجمة متناسقة ، لكن الحكيم لا يبدو كذلك ، فهو طراز فريد ، ونموذج خاص ، يصعب تقنين عطاءاته وتوجهاته ومواقفه ؛ لأن طبيعة الحكمة تتأبى على التحقق الكامل ، ومن ثم : فإنها تلوح في بعض المواقف والسلوكات لتدل على فضل الله (تعالى) على أصحابها وتوفيقه لهم . وتلك المواقف تفوق الحصر والعد ، لكن نذكر بعضها من أجل التقريب :

 أ- الحكمة نمو دائم ، فالمزج الفاعل بين الذكاء والخبرة والإرادة يجعل مفهومات الحكيم في نوع من الحركة الدائبة ، مفهوم يكبر ، وآخر يضمر ، ونقط تزداد تفصيلاً ، وأخرى تزداد تركيزاً ، أفكار جديدة لديه تفقد بريقها بسرعة ، وأفكار قديمة تنبعث حية لتخط خطّاً جديداً ...
هذه الوضعية تجعل الحكيم في حالة من التألق الدائم ، وهذا التألق قد يفسّر لدى الكثيرين على أنه تناقض واضطراب ، على حين أنه نوع من الاستجابة الناجحة للمرونة الذهنية العالية ، والروافد الثقافية الثرية ، والإرادة الحرة الصُلبة ، لكن كل ذلك يأخذ سمة التغيّر لا التبدّل . 
هذه الوضعية تجعل الحكيم في حالة من التألق الدائم ، وهذا التألق قد يفسّر لدى الكثيرين على أنه تناقض واضطراب ، على حين أنه نوع من الاستجابة الناجحة للمرونة الذهنية العالية ، والروافد الثقافية الثرية ، والإرادة الحرة الصُلبة ، لكن كل ذلك يأخذ سمة التغيّر لا التبدّل .

 ب- إيثار الآجل على العاجل ، والدائم على الآني ، وما يمليه ذلك من مواقف والتزامات : أكبر سمة من سمات (الحكيم) ، والشرائع السماوية كلها جاءت توجّه الناس نحو هذه الفضيلة ، لكن إغراءات المنافع والملذات العاجلة صرفت جلّ الناس عن الاستجابة { كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ العَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ } [القيامة : 20 ، 21] .
وعدم تحقق هذه الفضيلة في حياة كثير من الناس ، سببه : ضعف في الخبرة ، أو ضعف في الإرادة ، أو فيهما معاً ، والحكمة تجعل الحكيم في منأى عنهما .
وموقف الحكيم هنا يثير لدى الناس الدهشة ؛ حيث يجدونه زاهداً معرضاً عما يتقاتلون عليه ، وربما اتهموه بالعجز أو الكسل أو القصور ، وهو في الوقت نفسه يضحك في داخله من جهادهم في غير عدو ومحاولات قبضهم على السراب ! ! . 
وعدم تحقق هذه الفضيلة في حياة كثير من الناس ، سببه : ضعف في الخبرة ، أو ضعف في الإرادة ، أو فيهما معاً ، والحكمة تجعل الحكيم في منأى عنهما . وموقف الحكيم هنا يثير لدى الناس الدهشة ؛ حيث يجدونه زاهداً معرضاً عما يتقاتلون عليه ، وربما اتهموه بالعجز أو الكسل أو القصور ، وهو في الوقت نفسه يضحك في داخله من جهادهم في غير عدو ومحاولات قبضهم على السراب ! ! .

 ج- داخل الحكيم ساحة مَوّارة بالحركة والنشاط ، فهو لا يكفّ أبداً عن عمليات المقارنة ، والموازنة ، والتحليل ، والتركيب ، والاستنتاج ، والتشذيب ، والإضافة ، إنها أمواج وتيارات في أعماق المحيط ، أما السطح فإنه هادئ تعلوه السكينة والوقار .
إن من ملامح الأذكياء سرعة البديهة ، وإطلاق الأحكام ، وسرعة تشكيل المواقف ، لكن الحكيم طراز آخر من الناس ، فهو بطيء في تكوين معتقداته ، وصياغة مقولاته ، إذ إنه يملك قدرة خاصة على ضرب كل أشكال المعرفة والخبرة في بعضها بعضاً ، ليخرج في النهاية بزبدة تتميز عنها جميعاً ، لكنها منها جميعاً !
ويفسّر بعض الناس ذلك بالعي والحَصَر ، لكن الأيام تثبت أن مقولات الحكماء هي بنات عواصف فكرية وشعورية هائلة ، لكنها غير منظورة ! . 
إن من ملامح الأذكياء سرعة البديهة ، وإطلاق الأحكام ، وسرعة تشكيل المواقف ، لكن الحكيم طراز آخر من الناس ، فهو بطيء في تكوين معتقداته ، وصياغة مقولاته ، إذ إنه يملك قدرة خاصة على ضرب كل أشكال المعرفة والخبرة في بعضها بعضاً ، ليخرج في النهاية بزبدة تتميز عنها جميعاً ، لكنها منها جميعاً ! ويفسّر بعض الناس ذلك بالعي والحَصَر ، لكن الأيام تثبت أن مقولات الحكماء هي بنات عواصف فكرية وشعورية هائلة ، لكنها غير منظورة ! .

 د - من أهم تجليات الحكمة : إدراك حجوم القضايا على وجهها الصحيح ؛ فالحكيم يرى الأشياء الكبيرة كبيرة ، كما يرى القضايا الصغيرة صغيرة كما هي ، وتقدير القضايا بصورة صحيحة من أخطر المشكلات التي ظلت تواجه البشر على مدار التاريخ ، وهل دُمّرت الحضارات إلا من وراء مشكلات وأخطاء ظنها الناس تافهة ، فإذا هي عواصف هوجاء تأتي على كل ما تمرّ عليه ! .
الحكيم : رجل يرى ما قبل اللحظة الراهنة ، ويستشرف ما بعدها ، وهو لا يرى نسقاً أو نظاماً من التداعيات الترابطية ، لكنه يرى أنساقاً ونظماً تتوازى ، وتتقاطع ، وتتصادم ، إنه يحسّ بالعاصفة قبل هبوبها ، فيحذر قومه وينذرهم . كلنا نرى القضايا بحجمها الحقيقي ، لكن بعد فوات الأوان ! ، وبعد أن نكتوي بنارها ، وتفوتنا فرصها الذهبية ، لكن الحكيم يأتي في الوقت المناسب ، كما قال سفيان الثوري : » إذا أدبرت الفتنة عرفها كل الناس ، وإذا أقبلت لم يعرفها إلا العالم « ! .
العالم (الحكيم) الذي وصفناه ، أما أهـل الاختصاص ، الذين أذهبوا العمر في تفتيق المعرفة حول شيء بالغ الصغر ، أو حول (لا شيء) : فهؤلاء جنود التقدم العلمي ، لكن حظوظهم من إشراقات الحكماء محدودة للغاية ! .
هـ ترتفع درجة المرارة في داخلنا على مقدار فقدنا للحكمة ؛ والنزق والبَرَم الذي نبديه حول كل ما لا يعجبنا سببه جهلنا بالأسباب والجذور والسنن وطبائع الأشياء ومنطق سيرورتها . أما الحكيم : فإن مرارته لا تنبع من مفاجآت الأحداث وفواجعها ، وإنما من غفلة الناس واستخفافهم بالمواعظ التي ألقيت عليهم ، ونبهتهم إلى النهايات المحتومة التي يندفعون إليها دون أي حساب أو تقدير لفداحة الخطب الذي سيواجهونه . إن الآلام التي نشعر بها عند ظهور بعض النتائج تكون مكافئة في العادة للمسرات التي عشناها يوم كانت (عقولنا مستريحة) ومشاعرنا غارقة في عالم الملذات والأوهام ! .
ما ذكرناه من أنوار الحكمة وفضائلها غيض من فيض ، ولا يشف عن محاسنها قول كقول الله (تبارك وتعالى) : { وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً } [البقرة : 269]
الحكيم : رجل يرى ما قبل اللحظة الراهنة ، ويستشرف ما بعدها ، وهو لا يرى نسقاً أو نظاماً من التداعيات الترابطية ، لكنه يرى أنساقاً ونظماً تتوازى ، وتتقاطع ، وتتصادم ، إنه يحسّ بالعاصفة قبل هبوبها ، فيحذر قومه وينذرهم . كلنا نرى القضايا بحجمها الحقيقي ، لكن بعد فوات الأوان ! ، وبعد أن نكتوي بنارها ، وتفوتنا فرصها الذهبية ، لكن الحكيم يأتي في الوقت المناسب ، كما قال سفيان الثوري : » إذا أدبرت الفتنة عرفها كل الناس ، وإذا أقبلت لم يعرفها إلا العالم « ! . العالم (الحكيم) الذي وصفناه ، أما أهـل الاختصاص ، الذين أذهبوا العمر في تفتيق المعرفة حول شيء بالغ الصغر ، أو حول (لا شيء) : فهؤلاء جنود التقدم العلمي ، لكن حظوظهم من إشراقات الحكماء محدودة للغاية ! . هـ ترتفع درجة المرارة في داخلنا على مقدار فقدنا للحكمة ؛ والنزق والبَرَم الذي نبديه حول كل ما لا يعجبنا سببه جهلنا بالأسباب والجذور والسنن وطبائع الأشياء ومنطق سيرورتها . أما الحكيم : فإن مرارته لا تنبع من مفاجآت الأحداث وفواجعها ، وإنما من غفلة الناس واستخفافهم بالمواعظ التي ألقيت عليهم ، ونبهتهم إلى النهايات المحتومة التي يندفعون إليها دون أي حساب أو تقدير لفداحة الخطب الذي سيواجهونه . إن الآلام التي نشعر بها عند ظهور بعض النتائج تكون مكافئة في العادة للمسرات التي عشناها يوم كانت (عقولنا مستريحة) ومشاعرنا غارقة في عالم الملذات والأوهام ! . ما ذكرناه من أنوار الحكمة وفضائلها غيض من فيض ، ولا يشف عن محاسنها قول كقول الله (تبارك وتعالى) : { وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً } [البقرة : 269]

الجمعة، 21 سبتمبر 2012

فن المجاز في علم البيان


  بسم الله الرحمن الرحيم
(
فن المجاز في علم البيان )
لقاء الاثنين 24 سبتمبر في الصالون الصوتي مع اللغة العربية
تحت عنوان :( فن المجاز في البيان وعلاقاته البلاغية في الأسلوب )

1- محاور الحديث في هذا اللقاء 
2- مفهوم المجاز وتعريفاته  
3- الفرق بينه وبين الحقيقة 
4- قيود استخدام هذا الفن في الأسلوب
5- أقسام المجاز البلاغي
6-علاقات المجاز المرسل البلاغية 
7- تطبيقات أدبية ومناقشات
1- مفاهيم وتعريفات المجاز :
* المجاز من الناحية اللغوية للكلمة جاء من مادة ( الجيم والواو والزاي ) وتقول المعاجم عنه:
سارَ فيه، وخَلَّفَهُ، وأجازَ غيرَهُ وجاوَزَهُ.( القاموس المحيط )
وأجازَ له: سَوَّغَ له، وفي الرأي ؛أنفذه ، وفي الموضع : خلَّفَهُ ،
وتجَوَّزَ في هذا: احْتَمَلَهُ، وأَغْمَضَ فيه،
وأجاز في الصلاةِ: خَفَّفَ،
وأجاز في كلامهِ: تَكَلَّمَ بالمَجازِ.
والمَجازُ: الطريقُ إذا قُطِعَ من أحد جانِبَيْهِ إلى الآخَرِ، وهو خِلافُ الحقيقةِ،
والإِجازَةُ في الشعر: مُخَالَفَةُ حَرَكَاتِ الحَرْفِ الذي يَلِي حَرْفَ الروِيِّ،
أو كونُ القافِيَةِ طاءً والأخْرَى دالاً ونحوُهُ، أو أنْ تُتِمَّ مِصْرَاعَ غَيْرِكَ.
وذو المَجَازِ: سُوقٌ كانَتْ للعرب، على فَرْسَخٍ من عَرَفَةَ بِنَاحِيَةِ كَبْكَبٍ.
قال امرؤ القيس: 
فلما أَجَزْنا ساحَةَ الحَيِّ، وانْتَحى =بنا بَطْنُ خَبْتٍ ذي قفافٍ عَقَنْقَلِ
و الخبت ما اتسع من الأرض ، و القفاف المتسعة وبها رياض ،و العقنقل المتداخلة الرمل. 
والمجاز قولهم خَشِيت بمعنى عَلِمت. 
قال الشاعر:
ولقد خَشِيت بأنَّ مَن تَبِعَ الهُدى = سكَنَ الجِنَانَ مع النبيِّ محمدِ 
؛(أي علمتُ )
* وأما في علم الصرف ؛ فالمجاز مصدر ميمي بمعنى : الانتقال 
أي ؛ نقل معنى أو معان إلى الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له في الحقيقة 
بوجود مناسبة حاصلة بين المعنى الأصلي والمعنى الذي نقلت إليه للاستخدام
وقيل : اسم مكان بمعنى الطريق على سبيل التصور لوجود المناسبة بين
المنقول منه والمنقول إليه في كلمة المجاز فكلاهما طريق يتم فيه النقل( الطريق والمجاز) 
والتعريف بأنها مصدر ميمي أفضل عندي . 
لأن هذا يرجح التقابل بينها وبين الحقيقة فالمجاز بخلافها ، والتفسير الثاني يفوت هذا المعنى 
* مفهوم المجاز الأدبي :
ويسمى هذا الفن في علم البلاغة ؛
بالمجاز المرسل :
وهو الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له في التخاطب 
مع وجود قرينة للعلاقة مانعة من استخدام المعنى الأصلي للفظ المنقول
2- الفرق بين المجاز والحقيقة :
الحقيقة تنسب في التقسيم للواضع ، والمجاز ينسب لاصطلاح المستعمل
(
كأسد) للحيوان المفترس ،(وصلاة) للأقوال والأفعال ، (ودابة ) لذوات الأربع ،( وفِعْلٌ )للماضي والمضارع والأمر .
هذا بالنسبة للواضع اللغوي لكلمات اللغة في الحقيقة 
أما أمثلة المجازبالنسبة لاصطلاح المستعمل في البلاغة نحو: ؛ (أسد) للرجل الشجاع ، (وصلاة) للدعاء من الشرعي ،
(
ودابة) للإنسان ، (وفِعْل) للحدث ......وهكذا
فيشترط لكل مجاز أن تكون له حقيقة يصح استعمالها ؛ فالأمور تتضح بأضدادها ، 
والحقيقة هي الكلمة المستعملة في المعنى الذي وضعت له في اصطلاح التخاطب من حيث الواضع
فالحقيقةُ في اللغة: ما أُقِرّ في الاستعمال على أصل وضْعِه،
والمَجازُ ما كان بضد ذلك،
وإنما يقع المجاز ويُعدَلُ إليه عن الحقيقة لمعانٍ ثلاثة:
وهي الاتساع والتوكيد والتشبيه، 
فإن عُدِم هذه الأوصافُ كانت الحقيقة البتَّةَ، 
قال عامر بن الطفيل:
لقد عَلِمَتْ عَليْنا هَوازِنَ أَنَّني =أَنا الفارِسُ الحامي حَقِيقةَ جَعْفَرِ 
قال أَبو عبيدة في كتاب المجاز في سورة الفرقان عند قوله عز وجل:
( و أَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بالساعةِ سَعيراً؛ )
فالسعيرُ مُذَكَّر ثم أَنَّثه فقال: (إذا رَأتْهُم من مكانٍ بَعيدٍ سَمِعُوا لها تغيظا وزفيرا ) 
فهذا من باب المجاز، ومنه قول أَبي بكر، رضي الله عنه، في حديث الشَّفاعةِ:( إنما نحن حَفْنَةٌ من حَفَناتِ الله)؛ 
أَراد إنَّا على كَثرتِنا قليلٌ يوم القيامة عند الله كالحَفْنةِ أَي يسير بالإضافة إلى مُلْكِه ورحمته، وهي مِلْءُ الكَفِّ على جهة المجاز والتمثيل،
3- قيود الاستخدام لهذا الفن في الأسلوب:
*
أن تكون الكلمة مستعملة أو قصد استعمالها فتخرج خطأ عن طريق السهو اللساني ؛ نحو قول القائل :( فرس في موضع كتاب )،
فلا تعد مجازا ولا حقيقة ،
*
ودون قصد الحقيقة المطلقة في غير ما وضعت له كاستخدام ( أسد في معنى الحيوان المفترس) 
وإن تعدد مفهومها ولم يكن بين ذلك نقل ؛ تسمى الحقيقة المشتركة مثل ؛( عين ؛ في استخدامها للباصرة ، والجارية ، وللذهب والفضة)
وإن تعدد مفهومها وكان هناك نقل للمفاهيم دون مناسبة ؛ سميت ( حقيقة مرتجلة ) نحو استخدام ؛ جعفر الموضوعة ؛ للنهر ثم لإنسان ؛
وإن كان الاستخدام (لمناسبة) وهُجِرَ المعنى الأول الأصلي، وجُعِلَ الاستعمال في المعنى الثاني فرعا عن الأول؛  فذلك هو المجاز البلاغي
أما المجاز الذي له معنيان مثل لفظ ( الصلاة ) في الدعاء ، وفي الأركان فلا يدخل في المجاز إلا بقيد اصطلاح التخاطب عند الفقهاء(شرعا)
لأنه يصدق عليه أنه مستعمل فيما وضع له 
فاستعماله في معنى لا يقطع النظر عن القصد الآخر فرعا عنه عند علماء اللغة والبيان فيسمونه مجازا 
*
قيد العلاقة بالاحتراز في استعمال الكلمة في غير ما وضعت له قصدا دون وجود العلاقة المشابهة أو الحقيقة المطلقة فلا يسمى مجازا مثل :
(
خذ هذا الفرس ) وأنت تقصد ( كتابا ) مشيرا إليه 
*
والقرينة المانعة من إرادة المعنى الأصلي تُخرج الكناية البلاغية عن المجاز المرسل ؛
فإن قرينتها غير مانعة من إرادة المعنى الموضوع له اللفظ ( فلان كثير الرماد ) فيصح أن يراد معنى الكرم بالكناية أو كثرة الرماد فعلا
4- أقسام المجاز البلاغي :
ينقسم إلى :مجاز مرسل ما كانت علاقته غير المشابهة مثل :(واسأل القرية التي كنا فيها ) 
ومجاز بالاستعارة وهو ما كانت علاقته المشابهة أي اللفظ المستعمل في معنى شبه معناه الأصلي مع وجود علاقة بين المعنيين نحو : الرجل الشجاع أسد ( فلفظة أسد ) مجاز بالاستعارة ،
فاللفظ كاللباس الذي يستعار من شخص إلى آخر في المشبه أو المشبه به 
فتكون أركان الاستعارة ( مستعار منه ، ومعنى مستعار ، ولفظ مستعار )
5- علاقات المجاز المرسل :
تتعدد العلاقات للمجاز المرسل حتى تصل إلى عشرين علاقة غير المشابهة ، 
وسنفصل القول فيها ونضرب لها الأمثلة :
1-
( العلِّية ) Lأي كون الشيء علةٌ لشيء آخر نحو يد الله فوق أيديهم ) مستعملا كلمة ؛ (يد) في معنى النعمة أو القدرة لأنها العلة الفاعلة للإعطاء والبطش وغيره
2-
( السببية ) أي كون الشيء سببا مؤثرا في الجملة ،مثل: رعينا الغيث ، والمراد النبات ، وهي غير ( العلية )
3-
( المسببية ) وهي كون الشيء مسببا عن غيره ، مثل : أمطرت السماء نباتا ، فقد ذكر المسبب وأراد السبب ومنه قوله تعالى : (وينزل لكم من السماء رزقا )أي غيثا 
4-
( المجاورة ) أي علاقة مجاورة الشيء لغيره كإطلاق الثياب على اللابس لها 
كقول الشاعر :
فشككت بالرمح الأصم ثيابه = ليس الكريم على القنا بمحرم
5-
 ( الكلية ) وهي كون اللفظ يتضمن الشيء وغيره 
كما في قوله تعالى :( يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت) فقد ذكر الأصابع وأراد الأنملة من الإصبع ، وجمال المجاز هنا في المبالغة المتبادرة.
6-
 ( الجزئية ) وهي عكس العلاقة السابقة ، من إطلاق الجزء وإرادة الكل لأنه المستخدم جزء منه كقولنا : ( كل شيء هالك إلا وجهه ) فأطلق الوجه وأريد الذات ،
ونحو: ( رأيت عينا على عين ) ونقصد : الجاسوس بعين الأولى ؛ فهي جزء منه ويراد ذاته لأن الجاسوس ينتفي كونه جاسوسا بانتفاء عينه 
7-
( اعتبار ما كان ) أي نسبة تسمية الشيء باسم ما كان عليه ومتصفا به في الماضي، وليس الآن ، كقوله تعالى :( وآتوا اليتامى أموالهم ) فسماهم يتامى بعد البلوغ اعتبارا لما كانوا عليه في الزمن الماضي
8-
( اعتبار ما سيكون ) أو ما سيؤول إليه الشيء في المستقبل 
كقوله تعالى :( إني أراني أعصر خمرا ) أي عنبا ، ومنه قوله تعالى :( إنك ميت وإنهم ميتون )
9-
( الحالية ) وهي كون الشيء حالا في غيره 
مثل قوله تعالى :
( وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون ) فقد استخدم كلمة ( رحمة ) ومعناها رقة القلب عن الإنعام وهو مسببها ،
ثم عن المُنْعَمِ به لعلاقة التعلق الاشتقاقي ،
ثم عن محله وهو الجنة 
ومثل قوله سبحانه :( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ) فأتي بالمجاز في الزينة عن الثياب أي الحالَّة بالثياب 
10-
( المحلية ) استخدام المحل وإرادة الحال وهي عكس السابقة عند
استخدام المحل وإرادة الحال 
كقوله تعالى :( واسأل القرية التي كنا فيها ، والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون )
11-
( العموم ) وهو كون الشيء ــ أي الكلمة المجازية ــ شاملة في المعنى 
كقوله تعالى :( أم يحسدون الناس على ما آتاهم من فضله) فإن الناس من العموم الذي أريد به الخصوص ؛ وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم 
12-
( الخصوص ) كإطلاق الضاحك على كل إنسان من باب المجاز 
13-
( الآلية ) أي كون الشيء آلة وواسطة في إيصال الأثر إلى المتأثر 
مثل ( واجعل لي لسان صدق في الآخرين ) فقد تجوز باللسان وهو الآلة والأداة عن أثره وهو السيرة الطيبة والذكر الحسن 
14-
( اللازمية ) كأن تذكر الحرارة وتريد النار ؛ بمعنى كون الشيء يجب وجوده عند وجود غيره 
15-
( الملزومية ) عكس العلاقة السابقة لغير المشابهة بمعنى كون الشيء إذا وجد وجد غيره كذكر الشمس وتريد الضياء 
16-
( البدلية )
كقوله تعالى:( فإذا قضيتم الصلاة ...) بمعنى أن الشيء يقع بدلا ، فذكر القضاء وأراد الأداء فهو بدل عنه
17-
( الاستعداد ) وتكون العلاقة في المجاز إطلاق اللفظ على المستعِدِّ للشيء وغيره ؛
مثل إطلاق ( الحر على عبد سيده ) ،وإطلاق الكاتب على المستعد للكتابة ولما يَصِرْ كاتبا بعد
18-
( التقييد ) كأن تذكر الإنسان وتريد الحيوان فذلك مقيد بقيد 
19-
( الإطلاق ) وهو كون الشيء مجردا عن القيود 
كقوله تعالى:(إنما يخشى الله من عباده العلماء ) ؛ فهذا مطلق أريد به مقيد وهم العلماء العاملون ، ومثل ( فتحرير رقبة ) لأن المراد تقييدها بمؤمنة 
20-
( التعلق الاشتقاقي ) أي بسبب الاشتقاق 
مثل ( هذا خلق الله ) أي مخلوقه ، ومثل ( ولا يحيطون بشيء من علمه ) أي معلومه 
سر جمال أسلوب استعمال المجاز ؛ هو الدقة والإيجاز في اختيار العلاقة وإثارة الذهن في التوصل إليها بين المعنى الأصلي والمعنى الذي خرجت إليه اللفظة في المجاز.
- نماذج للتطبيق والمناقشة :
وضح المجاز في النماذج الآتية مبينا العلاقة في كل مثال :
أ) قال الشاعر:
وما من يد إلا يدُ الله فوقها = ولا ظالم إلا سيبلى بظالم
ب) قال تعالى  ( كلا إنها كلمة هو قائلها )
ج) قال الشاعر :
وأشرب ماء النيل من بعد دجلة = فيخضر في مصر الجديدة عودي
د) حكمت المحكمة ببراءة المتهم بقتل المتظاهرين 
ه) قال حافظ إبراهيم في حادث دنشواي :
قتيل الشمس أوردنا حياة = وأيقظ هاجع القوم الرقود
فليت كرومر قد دام فينا = يطوق بالسلاسل كل جيد
ويتحف مصر آنا بعد آنٍ = بمجلود ومقتول شهيد
لننزع هذه الأكفان عنا = ونبعث في العوالم من جديد

الإجابة :أ) العِلِّيَة (ب)الجزئية أطلق الجزء وأراد الكل (الكفر)(ج)الجزئية أطلق الكل وأراد الجزء (د)الحالية أطلق المحل وأراد الحال فيه وهو القاضي (ه) في( جيد ) الجزئية ، وفي مصر (الحالية) وفي الأكفان ( المسببية ) أطلق المسبب و أراد السبب وهو الخوف الذي أدى إلى الموت والأكفان
والله تعالى أعلم ؛؛